الأحد، 3 مارس 2013

جسم هلامي


تائه هو بين طيات عقل ، لا يحمل اسم ولا هوية ، بلا وطن بلا مأوى ، يتلاشى تدريجيا ، هناك على الحافة المطلة على الجزء الأكثر حرارة من الشمس المشتعلة حمرةً في وسط ليل حزين ، يقبع في تلك البقعة جسم هلامي ، يذوب  و يتبخر ، يتوارى خجلا ، يتكثف ويعود ثانيةً ، يتراءى إلى الناظر أنه يتناقص تدريجيا ، وفي أحيان كثيرة يتزايد فجأه ، يتحول إلى أشكال كبيرة وأحيانا صغيرة ، حلقات معدنية ، أطباق طائرة ، وعصافير مغردة ، لكن الصوت يخرج كقرقعات الملاعق المعدنية في أكواب زجاجية ، كان هناك من يراقبة  لشدة حرصه على دراسة هذا النوع من المركبات ، المركبات القادرة على التحول إلى شيء آخر ، والإنتقال من حالة إلى أخرى دون المرور إلى الحالة الوسطية ، كان منبهراً بذاك المخلوق ، إن استطعنا تسميته مخلوقا ، وضعه في صندوق أسود ، بعيدا عن أي لون أو أي شيء قد يتشابه معه ، لكن الهلامي التصق بكل جزء من الصندوق ، أصبح شيئا أسود قميئا ، وذلك الأجوف المتخاذل كعادته ، يتناسى ما لا يحتاجه ، يتركه وحيدا بعيدا متسلسلا حتى يضمن وجوده حال تذكره له ، تناساه فترة لانشغالة في بحث يعمل على تحويل البشر امثاله - أولئك الذين لم يعودوا يملكون قطرة دم واحدة تسير في شريان يوحد خالقه داخل جسدهم - الى اجساد هلامية كذاك القابع بعيدا في صندوق أسود ، منسي ولن يتذكره أحد أبدا ، وما إن أثبت أن الهلامية تشكل مكوناً رئيسيا في جسد اولئك المنتسبين للحياة عنوةً ، تذكره ، تذكره و قرر ان يفاجيء الهلامي بتجربة فريدة ، سيحقنه داخل جسد هِرَه ، كل ما كان يشغل تفكيره آن ذاك ليس قبول الهلامي وعدمه ، أو حتى كيف سيتأثر ، ولا تظنوا أن القطة حظيت بجزء من عطفه ، كل ما لفت انتباهه متأخرا ، هل سيضحي بكل حجم الهلامي ، " ماذا لو لم أنجح ، سأكون كتبت شهادة موت بحثي قبل أن يولد ، ساحاول تجزة الهلامي إلى قطع منفصلة في صناديق سوداء مختلفة حتى لا تنفذ الكميه" – قالها محدثا نفسه ، وبقى الهلامي الوحيد في تلك العلبة الأشبه بالنسبة له بلاشيء ، فهو لا يرى أو يدرك أو يسمع أي شي ، لكن الأبلة الآخر المنتسب إلى العلم سذاجة مِنْ مَنْ يهبون العلماء ألقابهم ، نسي الأحمق ... ،  نسي تماما أن الهلامي يمكن أن يتلاشى بعيدا ، وبعيدا جدا أيضا ، نسي أنه يتبخر ويتكثف ويتشكل ، جاهل في رتبة عالم ، مثيرٌ للسخريةِ وبشدة ، وما إن انتهى من جمع الصناديق الكثيرة التي كلفته في صنعها الكثير ، فتح الصندوق الأسود المقيت ليفاجأ بإنه خال تماما من كل شيء ، حتى حبات الهواء ، تفحصه بعقله الصدِيء البائس ، تفحص كل جزء فيه ، صنع منه شرائح ووضعها تحت ميكروسكوبه الضوئي ، آملا أن يرى أي شيء ، أي شيء يثبت حتى أن الهلامي كان قابعا فيه ، لكنه لم يرى شيئا ، أي شيء ، " لم يكن هناك وجود يوما ما لكائنك الهلامي هذا سوى داخل خلاياك المعطوبة أيها البائس الحزين " كانت هذه الكلمة تتكرر في المكان من حوله ويضج بها الفراغ ، قرقرات الملاعق في الأكواب الزجاجية ، يزداد اللون إحمرارا من حوله ، يذوب ، يتبخر ، صرااااااخ ، ينتفض من فراشه ، يلهث من شدة الحرارة ، اووووووه ، كان كابوس شديد الأذى لقد اتلف ما تبقى له من خلايا في عقله ، لوهلة تذكر ، عاد ليتفقد الصندوق الذي وضع هلاميه فيه بالامس ، مبتهجا قلقا ، نصف مبتسم أنه كان يحلم ونصف حزين يخشى أن يتحقق الحلم ، فتحه ، ولاشيء ، لاشيء هناك ، لا بقايا ، لا شيء ، لفت انتباهه ذلك الضوء الأبيض المنبعث من داخل غرفة نومه ، عاد أدراجه لم يجد شيئا لكنه ارتطم في المرآة المعلقة على جدار غرفته تلك ، انبعجت يده ثم عادت لوضعها ثانيةً ، الأحمق لم يلحظ هذا ، نظر إلى ذاته المرهقة في المرآة  ، وضع يده على صورة وجهه فيها قائلا لذاته البائسه " يالك من تعيس ، أنت لا تملك سوى أن تعود لسريرك مرة اخرى " ، جَرَّ اذيال خيبته وعاد ليباشر كوابيسه ، تلك التي ينعتها بالأحلام ، لم ينتبه على الذرات الهلامية التي بقيت على المرآه بعد ملامسته لها ، لم يدرك الأحمق أنه هو ذاته الجسم الهلامي 
، فكيف عساه يجد نفسه في علبة لم يحبسه فيها سوى عقله المريض فقط  .

/

منى بدران


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by NewWpThemes | Blogger Theme by Lasantha - Premium Blogger Themes | New Blogger Themes تعريب قوالب بلوجر