الثلاثاء، 26 فبراير 2013

2_ التحرّش والتبرُّج



تظلّ بصيرتنا عمياء لـ حقيقة الحُرّية و لا تبزغ بكامل خيوط أشعّتها في قلوبنا ولا نُدرك جوانبها ، وكأننا بشر لا يعشق النظر للحُرّية إلا بعين أنانية !


نعيش في دوّل تُعدّ "إسلامية" تؤمن بكتاب احتوى على الآية الكريمة " لكم دينكم ولي دين " , وياللعجب فـ نحن من يفتقر لتلك الحُرّية التي تتحدث عنها الآية ، وعن جميع أنواعها , و نموت ونُسْتَشهد كل يوم في سبيل الحصول على هذا الحقّ , و مع ذلك تُصرّ هذه الدوّل بالتحفّظ على هذه الآية وهذا الحق إلى حين التكرّم علينا به و منحه لنا حين أجل غير مُسمى ! و على الرغم من تذوقنا لهذا القهر إلا أننا نعشق أن نتّخذ من أفعال هذه الدوّل قُدوة في أمورنا فـ نحتفظ بمعنى هذه الآية لأنفسنا و نحجبها عن غيرنا / و "غيرنا " هم من ننصب أنفسنا حُكَّاماً عليهم " من دون أي انتخابات والله العظيم" !!


"ما علاقة عنوان المقال بهذه المُقدمة ؟! " أسمعكم تتساءلون ، و إجابتي هي أنني أكتب لكم مقالي هذا من أجل توضيح الخلط الكبير بين ربط التبرّج بـ "التحرّش" و عدم الإدراك بارتباطه "بالحُريّة الشخصيّة" !


المرأة جزء من الإنسان الذي يملك حق الحُريّة , وللحريّة أنواع , و مظهر الإنسان جزء من أحد تلك الحُريّات , فـ كما يقول الله تعالى في كتابه " ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الأولى "  و   " وقل للمؤمنات يغضضنّ من أبصارهنّ و يحفظنّ فُروجهنّ و لا يُبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها وليضربنّ بخمورهنّ على جُيوبهنّ ... " الى آخر الآية  , فهو تعالى في نفس الكتاب أيضاً يقول " لكم دينكم ولي دين "  بالإضافة إلى الآيات  " قل للمؤمنيين يغضّوا من أبصارهم " و " لا تزر وازرة وزر أخرى " و " إنك لا تُهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء " و " لا إكراه في الدين " !!


الكثير منّا يربط التبرّج بقضية التحرّش , فإذا كان التبرّج هو السبب حقّاً فما هو سبب التحرّش بالمُحجّبات والمُحتشمات والمُنقّبات إذاً؟! فـ كما يُقال في أن " الإرهاب لا دين له "  فـ التحرّش أيضاً لا دين له , فـ لا التبرّج ولا الإختلاط أو خروج المرأة وغيره سبب في هذا الجُرم , فـ هو كما الإرهاب تماماً يخلط الحابل بالنابل ، تُشنّ عمليات القتل على من لا صلة لهم بمُعتقدات الفاعلين و أمراض قلوبهم , كما أنها تُشنّ لأسباب واهية لا علاقة لها بالإنسانية ولا تمُتّ للدين بِصلة !! ه


اليوم , أصبح المُتحرِّش يشعر بحُرّية و يمنح نفسه حق التحرّش و إمكانية التمتّع بأي امرأة , حُريّة لا يعشقها إلا لنفسه , يُطالب بعدم تبرُج المرأة وهو يعلم في قرارة نفسه إن ما يُطالب به ليس له علاقة مباشرة بما يفعل , لأنه يعلم جيداً أن سبب حُريّته فيما يفعله هو التجاهل والتسيّب و إنفلات الأمن و المراقبة , كما أنه يعلم جيداً أن حقيقة طلبه هذا ماهو إلا وسيلة لإبعاد التهمة عن نفسه و منحه العذر والتسامح لفعلته لا أكثر !!


التبرّج أو مظهر المرأة بشكل عام هو "حُرّية شخصيّة" لا يملك التحكّم فيها أي شخص كان إلا إرادتها وحدها ! وكذلك مظهر الرجل ,  فماذا يحدث إن مُنع عنكم " الجينز " مثلاً و بالمقابل فُرض عليكم إرتداء الجلباب القصير , تيمُّناً بالرسول الكريم ؟!


ترتفع بعض أصوات المُعارضة في أنه " إذا كان اعتبار التبرّج حُريّة فإنه يجعل من التحرّش حُريّة أيضاً , بما أن كلاهما _كما يدّعون _ ينتُج عنه أذى للجنس الآخر ، فـ التبرّج أذى يطال الرجل , و التحرّش أيضاً أذى يطال المرأة في المقابل" , فـ إذاً دعونا نقارن سويّاً بين التحرّش و التبرّج , ومالفرق بينهم ولماذا نُصرّ على طلب العقوبة للمتحرّش ولا نصرّ على طلب العقوبة للمتبرّجة مع الاحتفاظ بالحُريّة في مظهرها ...

يُعدّ التحرّش انتهاك وإهدار للكرامة و أغتصاب للجسد والأنوثة معاً ! فهو أذى لا يعطي للمرأة المجال حتى لصدّه عن نفسها قبل حدوثه ، أذى قسريّ لا وسائل للدفاع فيه ولا للحماية ! أمّا التبرّج فكيف يكون أذى إن كان لا يُسبب أي انتهاك لكرامة الرجل أو أي إغتصاب لأي شيء بغير إرادته ! و كيف يكون أذى و للرجل فيه وسائل دفاع و حماية ؟! فإن كان يعلم في نفسه الضعف فـ ليغض من بصره ! كيف يكون أذى وهو تحت سيطرته ؟! يؤذي به نفسه إن شاء , ويتجنب أذاه إن شاء أيضا !!

التحرّش يا سادة يجبر المرأة أن تقف عزلاء وسط معركة ما من دون سابق إنذار ، ولا أسلحة لديها ولا من يحزنون ، لتجد فيها دماء كرامتها مسفوحاً على الأرض و نظرات الذهول مازالت مُرتسمة على وجهها , تتساءل كيف بدأت المعركة و لماذا؟!!


من العار أن نتعامل مع القضيّة بسطحيّة , و نتمسّك بهوامشها وننهش فيها ونترك لُب الجُرم و نعيب في المظهر , نترك " الإنتهاك" و نتجادل في " حق وحُريّة " !! نترك السارق ينجو بفعلته و نتجادل في النافذة المفتوحة التي تركها صاحب البيت مفتوحاً , على الرغم من أن النافذة في بيته و له الحق في فتحها أو أغلاقها في أي وقت شاء!!


و أخيراً , أرجوكم لا تقولوا لي إن القصد من إلقاء التُهم على مظهر المرأة هو تقويمها وهدايتها , حيث أنها تخالف شرع الله ، فهذا لا يندرج في جدول أعمالنا وواجباتنا , لأنه وببساطه هذا أمر راجع لها وحدها وليس لنا " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ! نحن لا نملك حقّ مُحاسبتها , فـ الحساب لله وحده "العالم بما في الصدور" ! فقد كان الدخول لـ " لدين لإسلام " اختياري وليس إجباري " لا إكراه في الدين" ، فما بالكم بالمظهر وتغييره ، وهو جزء بسيط جداً من هذا الدين , فهل نجعله إجباري ؟!


/


الحُريّة هي القدرة على فعل الشيء أو تركه شرط أن لا ينتج عنه أذىً "قسريّ" للآخرين ، فـ كما يقولون " الحُريّة تنتهي عند حدود الآخرين " ! و التحرّش فيه فرض الأذى على الآخرين , أمّا التبرج ففيه كفّ الأذى عن النفس !!



/


رانيا محسن فتح

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by NewWpThemes | Blogger Theme by Lasantha - Premium Blogger Themes | New Blogger Themes تعريب قوالب بلوجر