تظلّ بصيرتنا عمياء لـ حقيقة الحُرّية و لا تبزغ بكامل خيوط
أشعّتها في قلوبنا ولا نُدرك جوانبها ، وكأننا بشر لا يعشق النظر للحُرّية إلا
بعين أنانية !
نعيش في دوّل تُعدّ "إسلامية" تؤمن بكتاب احتوى
على الآية الكريمة " لكم دينكم ولي دين " , وياللعجب فـ نحن من يفتقر
لتلك الحُرّية التي تتحدث عنها الآية ، وعن جميع أنواعها , و نموت ونُسْتَشهد كل
يوم في سبيل الحصول على هذا الحقّ , و مع ذلك تُصرّ هذه الدوّل بالتحفّظ على هذه
الآية وهذا الحق إلى حين التكرّم علينا به و منحه لنا حين أجل غير مُسمى ! و على
الرغم من تذوقنا لهذا القهر إلا أننا نعشق أن نتّخذ من أفعال هذه الدوّل قُدوة في
أمورنا فـ نحتفظ بمعنى هذه الآية لأنفسنا و نحجبها عن غيرنا / و "غيرنا
" هم من ننصب أنفسنا حُكَّاماً عليهم " من دون أي انتخابات والله العظيم"
!!
"ما علاقة عنوان المقال بهذه المُقدمة ؟! " أسمعكم
تتساءلون ، و إجابتي هي أنني أكتب لكم مقالي هذا من أجل توضيح الخلط الكبير بين
ربط التبرّج بـ "التحرّش" و عدم الإدراك بارتباطه "بالحُريّة
الشخصيّة" !
المرأة جزء من الإنسان الذي يملك حق الحُريّة , وللحريّة
أنواع , و مظهر الإنسان جزء من أحد تلك الحُريّات , فـ كما يقول الله تعالى في
كتابه " ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الأولى " و "
وقل للمؤمنات يغضضنّ من أبصارهنّ و يحفظنّ فُروجهنّ و لا يُبدين زينتهنّ إلا ما
ظهر منها وليضربنّ بخمورهنّ على جُيوبهنّ ... " الى آخر الآية , فهو
تعالى في نفس الكتاب أيضاً يقول " لكم دينكم ولي دين " بالإضافة
إلى الآيات " قل للمؤمنيين يغضّوا من أبصارهم " و " لا تزر
وازرة وزر أخرى " و " إنك لا تُهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء
" و " لا إكراه في الدين " !!
الكثير منّا يربط التبرّج بقضية التحرّش , فإذا كان التبرّج
هو السبب حقّاً فما هو سبب التحرّش بالمُحجّبات والمُحتشمات والمُنقّبات إذاً؟! فـ
كما يُقال في أن " الإرهاب لا دين له " فـ التحرّش أيضاً لا دين
له , فـ لا التبرّج ولا الإختلاط أو خروج المرأة وغيره سبب في هذا الجُرم , فـ هو
كما الإرهاب تماماً يخلط الحابل بالنابل ، تُشنّ عمليات القتل على من لا صلة لهم
بمُعتقدات الفاعلين و أمراض قلوبهم , كما أنها تُشنّ لأسباب واهية لا علاقة لها
بالإنسانية ولا تمُتّ للدين بِصلة !! ه
اليوم , أصبح المُتحرِّش يشعر بحُرّية و يمنح نفسه حق
التحرّش و إمكانية التمتّع بأي امرأة , حُريّة لا يعشقها إلا لنفسه , يُطالب بعدم
تبرُج المرأة وهو يعلم في قرارة نفسه إن ما يُطالب به ليس له علاقة مباشرة بما
يفعل , لأنه يعلم جيداً أن سبب حُريّته فيما يفعله هو التجاهل والتسيّب و إنفلات
الأمن و المراقبة , كما أنه يعلم جيداً أن حقيقة طلبه هذا ماهو إلا وسيلة لإبعاد
التهمة عن نفسه و منحه العذر والتسامح لفعلته لا أكثر !!
التبرّج أو مظهر المرأة بشكل عام هو "حُرّية
شخصيّة" لا يملك التحكّم فيها أي شخص كان إلا إرادتها وحدها ! وكذلك مظهر
الرجل , فماذا يحدث إن مُنع عنكم " الجينز " مثلاً و بالمقابل
فُرض عليكم إرتداء الجلباب القصير , تيمُّناً بالرسول الكريم ؟!
ترتفع بعض أصوات المُعارضة في أنه " إذا كان اعتبار
التبرّج حُريّة فإنه يجعل من التحرّش حُريّة أيضاً , بما أن كلاهما _كما يدّعون _
ينتُج عنه أذى للجنس الآخر ، فـ التبرّج أذى يطال الرجل , و التحرّش أيضاً أذى
يطال المرأة في المقابل" , فـ إذاً دعونا نقارن سويّاً بين التحرّش و التبرّج
, ومالفرق بينهم ولماذا نُصرّ على طلب العقوبة للمتحرّش ولا نصرّ على طلب العقوبة
للمتبرّجة مع الاحتفاظ بالحُريّة في مظهرها ...
يُعدّ التحرّش انتهاك وإهدار للكرامة و أغتصاب للجسد
والأنوثة معاً ! فهو أذى لا يعطي للمرأة المجال حتى لصدّه عن نفسها قبل حدوثه ،
أذى قسريّ لا وسائل للدفاع فيه ولا للحماية ! أمّا التبرّج فكيف يكون أذى إن كان
لا يُسبب أي انتهاك لكرامة الرجل أو أي إغتصاب لأي شيء بغير إرادته ! و كيف يكون
أذى و للرجل فيه وسائل دفاع و حماية ؟! فإن كان يعلم في نفسه الضعف فـ ليغض من
بصره ! كيف يكون أذى وهو تحت سيطرته ؟! يؤذي به نفسه إن شاء , ويتجنب أذاه إن شاء
أيضا !!
التحرّش يا سادة يجبر المرأة أن تقف عزلاء وسط معركة ما من
دون سابق إنذار ، ولا أسلحة لديها ولا من يحزنون ، لتجد فيها دماء كرامتها مسفوحاً
على الأرض و نظرات الذهول مازالت مُرتسمة على وجهها , تتساءل كيف بدأت المعركة و
لماذا؟!!
من العار أن نتعامل مع القضيّة بسطحيّة , و نتمسّك بهوامشها
وننهش فيها ونترك لُب الجُرم و نعيب في المظهر , نترك " الإنتهاك" و
نتجادل في " حق وحُريّة " !! نترك السارق ينجو بفعلته و نتجادل في
النافذة المفتوحة التي تركها صاحب البيت مفتوحاً , على الرغم من أن النافذة في
بيته و له الحق في فتحها أو أغلاقها في أي وقت شاء!!
و أخيراً , أرجوكم لا تقولوا لي إن القصد من إلقاء التُهم
على مظهر المرأة هو تقويمها وهدايتها , حيث أنها تخالف شرع الله ، فهذا لا يندرج
في جدول أعمالنا وواجباتنا , لأنه وببساطه هذا أمر راجع لها وحدها وليس لنا "
ولا تزر وازرة وزر أخرى " ! نحن لا نملك حقّ مُحاسبتها , فـ الحساب لله وحده
"العالم بما في الصدور" ! فقد كان الدخول لـ " لدين لإسلام "
اختياري وليس إجباري " لا إكراه في الدين" ، فما بالكم بالمظهر وتغييره
، وهو جزء بسيط جداً من هذا الدين , فهل نجعله إجباري ؟!
/
الحُريّة هي القدرة على فعل الشيء أو تركه شرط أن لا ينتج
عنه أذىً "قسريّ" للآخرين ، فـ كما يقولون " الحُريّة تنتهي عند
حدود الآخرين " ! و التحرّش فيه فرض الأذى على الآخرين , أمّا التبرج ففيه
كفّ الأذى عن النفس !!
/
رانيا محسن فتح
0 التعليقات:
إرسال تعليق