الثلاثاء، 26 فبراير 2013

1 _ التحرّش و أسبابه



مؤخراً , أصبحتْ قضية التحرّش الجنسي أحد القضايا التي تقف في الصفوف الأمامية بين القضايا المجتمعية الأخرى , و التي تَفرِض نفسها على الساحة العامّة وتطالب بالحلّ , فهل من حلٍّ قريب؟


تخنقني غصّة البكاء وترتعش أطرافي ويعتريني الإعياء النفسي عندما أجد من يقف ضد المرأة ويلقي على عاتقها الأسباب الرئيسية لظاهرة التحرّش , وأنها " و من الآخر كده , تستاهل إللي بيحصللها !! " و يتم الهجوم عليها و لعنتها على طريقة هندامها و أسلوب حديثها ، و خروجها من البيت من أساسه , و لا يتم التطرّق إلى الأذى النفسي الذي تعرّضت له وعن جُرم الفاعل وإنحراف سلوكه , إلا قليلاً - إن حدث - وبشكل فرعي!!


دعونا نفكر قليلاً , فـ هل يُعقل أن المرأة , وإن كانت شديدة التبرّج والتبختر في الشارع , العابرة أمام الرجل مُدّة لا تتعدّى الدقائق , قد تكون السبب في الكبت الجنسي للرجل الذي تآمر مع البطالة وغلاء المهور و صعوبة الزواج في هذا الزمن حدّ الانفجار بهذا الأسلوب المنحرف الذي يجد سبيله في الأضعف والأقرب إلى متناول يده القذرة ؟! أم أن هناك عامل آخر ساعد على تفاقم هذه المشكلة لديه؟!  فلماذا يوجد شباب تعدّى الثلاثين والأربعين و لم يتزوجوا بعد و يرَون ما يراه الآخرون ومع ذلك لا يتعرّض لأي انثى أمامه بسوء ، أو حتى بجرح بسيط  بلفظ أو فعل ، مهما كانت أخلاقها ؟ لماذا ؟!

فماذا عن الآفات والشذوذ النفسية والجنسيّة ؟! ماذا عن إدمان المواقع والصور والأفلام الإباحية ؟! ماذا عن التهاون في فرض العقوبات الجادّة و الصارمة لهكذا أفعال؟! ماذا عن الموضى بين الأطفال والمراهقين والتباهي برجولتهم المزعومة أمام الرفاق ؟!

هل سبب كل ما سبق هو كل أنثى خرجت من بيتها في هذا الكون ؟! حتى تلك الفتاة التي خرجت طلباً للعلم؟! أو تلك الأم التي خرجت للسعي وراء رزقها و رزق ابنائها ؟! أم هي تلك المُتَّشِحة بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها ؟! أجيبوني بالله عليكم وأريحوني أراحكم الله , فهذه الأسئلة تكاد تُرديني قتيلة في قعر الجنون والتعجّب كُثر تجاهلكم لها !


المشكلة وبوضوح ليست في خروج المرأة للشارع أو في طريقة هندامها و زينتها , بل هي متعلقة بنقص الوازع الديني والأخلاقي المُصاحب بإنفلات الضبط الذاتي و الأسريّ والمُجتمعي الدولي , وذلك بعدم فرض قوانين صريحة تُدِين المتحرّش و تتعاطف مع الفتاة و استعادة حقّها ، مع تنفيذ هذه القوانين فعلياً على أرض الواقع!


التحرّش هو جُرم يُشبه أي جُرم آخر , كالسرقة و القتل وغيره ؟! ألم تتواجد في القضية مجني ومجني عليه , طرف مؤذي و طرف صاحب أذى أيضاً ؟! وأليس السارق والقاتل كانت لهم دوافع لهذا الفعل ، أحيانا خارجة عن إرادتهم , ومع ذلك لا يتم التطرّق لها و يتم التعامل معهم على أساس سلوكهم المُنحرف فقط , والتعاطف جميعه ينتقل لمن تمت السرقة منه وللمقتول و ذَويه؟! ألا تشعرون بهذا التشابه حقاً ؟! أم أنكم تتجاهلونه حتى لا يمنعكم مانع فـ تتصرفون كما تشاؤون , ثم تنجون بأفعالكم وبضعف إرادتكم والتحكم في ذواتكم المريضة بإلقاء التُهم ضد المرأة و الهجوم في وجهها بشراسة؟!

يا سادة ، إن سياسة " الهجوم " بشراسة في قضية ما , لا " الدفاع " , هو بحد ذاته دليل قاطع على إدانتكم ؟! كما أنها سياسة فارغة من الحُجة ، و دليل على الهروب من الواقع ؟!



أصبحت الأنثى تخجل من كونها أنثى يراها الآخرون  كائن مذنب إلى الأبد ، وكأنها نوع من البشر الذي لا يستحق الشفقة والرفق به , نوع من البشر الذي لا يشعر ولا يتوجّب عليه الشعور . فكيف تأتي " أنثى " حقيرة تُعكّر صفوة " ذكر" وتثير استفزازه , فـ يضطر التحرش بها من أجل تأديبها و إجبارها على عدم الخروج من قفصها , وكأن الكون خُلق من أجل الرجل فقط , والأربع جدران خُلقت للمرأة !! ألا تحمل قلباً أيها الرجل الإنسان ؟!

 /


رانيا محسن فتح

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by NewWpThemes | Blogger Theme by Lasantha - Premium Blogger Themes | New Blogger Themes تعريب قوالب بلوجر